يجتمع وزراء الحكومة الفدرالية بقيادة رئيس الوزراء جوستان ترودو في هاليفاكس بهدف وضع خطط لمواجهة التحديات الكبيرة التي تنتظرهم في البرلمان الكندي مع انطلاقة الدورة البرلمانية الجديدة. وتتركز النقاشات حول الصعوبات التي تواجه المواطنين الكنديين، مع التركيز على أزمة السكن ومسألة الهجرة بالإضافة إلى التحديات الاقتصادية التي تواجه الطبقة المتوسطة.
وقد انطلقت اجتماعات الخلوة مساء أمس الأحد بعشاء عمل على أن تستمر حتى يوم غد الثلاثاء.
ولا شك أنه من أبرز التحديات التي تواجه الوزراء المجتمعين هو كيفية تغيير مسار الحكومة التي تواجه تراجعًا مستمرًا في شعبيتها منذ أكثر من عام، ما يضعها أمام تحدٍ كبير لقلب الموازين قبل الانتخابات المقبلة. ففي الوقت الذي يتوجب على الحكومة إظهار الجرأة والابتكار لاستعادة ثقة الناخبين، لم تثمر الجهود السابقة، بما في ذلك التعديل الوزاري الأخير وتقديم الموازنة الجديدة، عن النتائج المرجوة. وتتطلع الحكومة إلى تحقيق انتعاش اقتصادي يخفف من قلق الكنديين ويعزز موقفها في الانتخابات المقبلة. فلا تزال القدرة على تحمل التكاليف المعيشية تشكل عبئًا ثقيلًا على أكتاف المواطنين، ولا تزال أسعار المواد الغذائية مرتفعة ويجب على الليبراليين إيجاد طريقة لمواجهة رسالة زعيم المحافظين بيار بوالييفر بأن الحياة أصبحت أكثر تكلفة وأقل أمانًا في ظل حكومة ترودو.
وعليه، من المقرر أن تشمل جلسات اليوم الإثنين لقاءات مع خبراء وأكاديميين لمناقشة أبرز الشؤون المحلية الرئيسية وفي مقدمتها أزمة السكن وتكاليفه. وفي هذا السياق، لا بدّ من الإشارة إلى عدة إجراءات أعلنت عنها الحكومة الفدرالية ومن أبرزها، تأجير الأراضي العامة لمطورين من أجل بناء وحدات سكنية بأسعار معقولة، وهو جزء من خطة حكومية تهدف إلى بناء 3.8 مليون وحدة سكنية جديدة بحلول عام 2031.
وقد قامت الحكومة الفدرالية في هذا الإطار، بإضافة 56 عقارًا إلى بنك جديد للأراضي العامة مخصص لبناء مساكن بأسعار معقولة. وتشمل الأصول التي أُدرجت حتى الساعة في بنك الأراضي العامة قواعد عسكرية سابقة ومباني تابعة لمؤسسة البريد الكندي ومباني ضمّت مكاتب فدرالية. وكان الكثير من هذه العقارات مخصصًا للبيع في السابق لأنه لم يعد قيد الاستخدام.
وتأتي هذه الخطوة في ظل ارتفاع حاد في أسعار الإيجارات بنسبة تقارب 25% خلال السنوات الخمس الماضية، ما جعل أزمة السكن أحد أكبر التحديات التي تواجه الحكومة في مسعاها لاستعادة ثقة الناخبين قبل الانتخابات المحتملة في العام المقبل.
هذا وسيُخصص يوم غد الثلاثاء، وهو اليوم الثاني للخلوة، لمناقشة العلاقات الكندية – الأميركية، وتأثير الانتخابات الرئاسية المقبلة على هذه العلاقات، في حضور ومشاركة ضيف مميز هو جاك سوليفان، مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض. هذا وسيستمع الوزراء ايضاً إلى السفيرة الكندية الحالية لدى الولايات المتحدة، كيرستن هيلمان، واثنين من أسلافها، فرانك ماكينا وديفيد ماكنتون.
وفي الواقع، تراقب الحكومة الكندية بقلق تطورات السباق الرئاسي الأميركي وتأثيراته المحتملة على العلاقات بين البلدين. وفي ظل احتمالية فوز المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس أو الرئيس السابق دونالد ترامب، تتباين التوقعات بين تعزيز التعاون الثنائي أو مواجهة تحديات جديدة. وبالتالي، تحاول الحكومة الكندية الاستعداد لمختلف السيناريوهات وتقييم تداعياتها على السياسات المحلية.
إذن الترقب هو حالياً سيد الموقف، وليس فقط على المستوى السياسي، بحيث أن اللاعبين الرئيسيين في عدة قطاعات رئيسية بدأوا يضعون في ميزان الاستعداد كل الاحتمالات الممكنة. فالمرشح الجمهوري إلى الرئاسة الأميركية دونالد ترامب يهدد بفرض ضريبة جديدة بنسبة 10٪ على جميع الواردات الأجنبية، مما يعيد إلى الأذهان الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارته في عامي 2018 و2020 على واردات الألمنيوم من كندا. رغم أن تأثيرات هذه الرسوم كانت محدودة نسبيًا على صناعة الألمنيوم الكندية، إلا أنها أحدثت اضطرابات في السوق وتسببت ببيئة تجارية غير مستقرة.
ويخشى المتخصصون في صناعة الألمنيوم في كندا من أن يعود ترامب إلى سياساته الحمائية، مما قد يؤدي إلى إعادة فرض الرسوم الجمركية، أو فرض رسوم جديدة، وهذا قد يضع كندا في موقف صعب.
بالمقابل، يشدد المسؤولون في هذه الصناعة على أهمية أن تكون كندا أكثر استعدادًا للتعامل مع التحديات القادمة، سواء من الصين أو من الولايات المتحدة، للحفاظ على مصالحها الاقتصادية وحماية صادراتها من الألمنيوم.
بدورها، تشهد شركات التكنولوجيا الكندية تهديدات كبيرة بغض النظر عمّن سيكون الرئيس الأميركي المقبل. كانت البيئة الابتكارية في كندا ازدهرت في العقد الماضي بفضل الوصول السهل إلى وادي السيليكون وتدفق رأس المال من مستثمرين أميركيين بارزين. ولكن التحولات السياسية السريعة في الولايات المتحدة قد تضعف هذا الوضع.
وتواجه الشركات الناشئة الكندية خطر الانتقال إلى الولايات المتحدة بسبب المخاوف من تأثير السياسات الجديدة على قدرتها على التنقل عبر الحدود، والوصول إلى المواهب، والاستفادة من الاتفاقيات مثل الاتفاقية الجديدة بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا USMCA. كما أن هناك قلقًا من فرض ضرائب ورسوم جديدة على الشركات الكندية.
ويدعو الخبراء إلى ضرورة استعداد النظام البيئي الكندي لمواجهة هذه التحديات عبر فهم تأثيرات التغييرات المحتملة في اتفاقية USMCA، والتحضير لبيئة استثمارية أكثر تقشفًا، واستكشاف أسواق أخرى خارج الولايات المتحدة.
إذن، تتطلع حكومة ترودو من خلال الخلوة الحالية إلى الخروج بخطط استراتيجية تعيد إليها الزخم اللازم للتعامل مع كل هذه التحديات الكبيرة، وضمان مستقبلها السياسي في ظل ظروف داخلية وخارجية متقلبة.
ولا بدّ هنا من التذكير بأنه مع اقتراب الانتخابات الفدرالية في كندا، فقد أعلنت عدة شخصيات وزارية عن عدم نيتها الترشح مجددًا، ما يزيد من الضغط على رئيس الوزراء لترتيب صفوف الحكومة. وتتصدر التساؤلات حول مستقبل وزير النقل بابلو رودريغيز، الذي يدرس إمكانية الانتقال إلى السياسة الإقليمية والترشح لقيادة الحزب الليبرالي في كيبيك، قائمة الاهتمامات. فلننتظر لنرى ما سيخرج عن هذه الخلوة من مقررات قد ترسم خطوط المستقبل السياسي.