تُشكل الهجرة قضية محورية في النقاشات السياسية عبر القارات بحيث أثرت بشكل كبير على السياسات والاقتصادات والمجتمعات. في ألمانيا، على سبيل المثال، أثارت موجة الهجرة الكبيرة قبل عقد من الزمن جدلاً اجتماعياً وسياسياً حاداً. واستقبل المجتمع الألماني حينها مليون مهاجر، مما ساهم في بروز حزب “البديل من أجل ألمانيا” (AfD) اليميني المتطرف، والذي حقق نتائج تاريخية في الانتخابات الأوروبية مؤخراً.
وفي كندا، يواجه رئيس الوزراء الكندي جوستان ترودو انتقادات حادة بسبب سياسات الهجرة التي أدت إلى زيادة كبيرة في أعداد المهاجرين. وكان سجل عام 2023 زيادة سكانية قياسية بلغت 1,271,872 شخصاً، وهو أعلى معدل زيادة سكانية يُسجّل منذ عام 1957. هذه الزيادة السريعة فرضت ضغوطاً هائلة على البنية التحتية والخدمات العامة، ما أثار تساؤلات حول قدرة البلاد على استيعاب هذا العدد الكبير من الوافدين الجدد.
وفي هذا السياق، قدّم جيرالد فيليون في هيئة الإذاعة الكندية تحليلاً معمقاً حول كيفية تحميل المهاجرين مسؤولية القضايا الاجتماعية المختلفة، خصوصاً في كندا. وهو رأى أنه، مع تزايد تدفق الهجرة وما تسببه من ضغوط اجتماعية واقتصادية، يجب على القادة السياسيين معالجة هذه القضية بواقعية ومسؤولية.
وكان زعم رئيس الحكومة الكيبيكية فرانسوا لوغو مؤخراً أن “100٪ من مشكلة الإسكان ناتجة عن زيادة عدد المهاجرين المؤقتين”. لكن هذه البيانات تثير جدلاً حول دقتها. فرغم أن كندا شهدت زيادة سكانية غير مسبوقة، إلا أن أزمة الإسكان كانت موجودة منذ سنوات، إذ انخفضت معدلات الشغور في مونتريال إلى أقل من 3٪ منذ عام 2018، وبلغت 1.3٪ في عام 2023. وعليه، فإن إلقاء اللوم بالكامل على المهاجرين المؤقتين يعد تبسيطاً مفرطاً للمشكلة.
رأى فيليون أن تعليقات لوغو قد تؤدي إلى تأجيج التعصب ضد المهاجرين. ففي استطلاع رأي أجراه معهد ليجيه في شهر فبراير/شباط الماضي، أظهر أن 61٪ من سكان كيبيك يعتقدون أن كندا يجب أن تستقبل عدداً أقل من المهاجرين، ما يعكس تزايد القلق حيال هذه القضية. في العام السابق، كان 27٪ فقط من الكنديين يرون أن هناك الكثير من المهاجرين، ولكن هذا الرقم ارتفع إلى 44٪.
رغم التحديات، تظل الهجرة عاملاً مهماً في تعزيز النمو الاقتصادي وانتشال ملايين الأفراد من الفقر. لكن التغييرات الاجتماعية الناتجة عنها يمكن أن تزعزع استقرار المجتمعات المحلية، كما رأينا في تجارب مثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وصعود الشعبوية اليمينية في أوروبا والولايات المتحدة.