مع اقتراب الانتخابات الفدرالية لعام 2025، بدأ زعيم حزب المحافظين بيار بوالييفر  في الكشف عن تفاصيل ملموسة لسياساته، مع التركيز بشكل خاص على “وقف الجريمة” كأحد أهم أولوياته الأربع. وأظهر بوالييفر استعداده لاتخاذ خطوات حاسمة لتحقيق هدفه المتمثل في خفض معدلات الجريمة، حتى لو تطلب ذلك تحدي السلطة القضائية العليا في البلاد.

في خطاب ألقاه مساء الاثنين أمام الجمعية الكندية لرؤساء الشرطة، ألمح إلى أنه لن يسمح لقضاة المحكمة العليا بإملاء سياسة مكافحة الجريمة.

ولا شك أن سلوك بوالييفر، بما في ذلك طرده الأخير من مجلس العموم، لمحة عن الأسلوب الحازم الذي ينوي اتباعه لتحقيق أهدافه.

لنعود أولاً إلى ما حصل في مجلس العموم يوم أمس، في حادثة برلمانية لم تحصل منذ تقريباً ٣٠ سنة.
في الوقائع، حصلت أمس، مشادة كلامية حادة اليوم بين رئيس الوزراء الليبرالي جوستان ترودو وزعيم حزب المحافظين بيار بوالييفر انتهت بطرد الأخير من مجلس العموم.

شهدت هذه المواجهة المتوترة تبادلًا للاتهامات بين الزعيمين، حيث اتهم بوالييفر ترودو بـ “العنصرية” بسبب صور لارتدائه زي “بلاك فايس” في الماضي. وسبق لبواليافر أن  قال عن ترودو إنه ’’الرجل الذي قضى النصف الأول من حياته البالغة كمُمارس للعنصرية‘‘، في إشارة إلى صور لترودو انتشرت خلال الحملة الإنتخابية في عام 2019 وظهر فيها كرجل أسود البشرة، وهي صور كانت آنذاك تعود لعمر المراهقة واعتذر عنها ترودو. من جهته، اتهم ترودو بوالييفر بالارتباط بمتطرفين يمينيين.

بدأت المشادة عندما هاجم بوالييفر حكومة ترودو بسبب سياستها بشأن المخدرات، واتّهمها بالتسبب في ضرر كبير. تجاهل ترودو هذه الاتهامات، وبدلاً من ذلك ركز على ربط بوالييفر بجماعة يمينية متطرفة تُعرف باسم “دياغولون”.

ازدادت حدة التوتر عندما طرد رئيس مجلس العموم غريغ فيرغوس النائبة المحافظة راتشيل توماس من القاعة بسبب “ازدراء سلطة سلطته”.

استمرت المشادة بعد مغادرة توماس، حيث وصف ترودو بوالييفر بأنه “سياسي في سن الـ 19” يعتمد على دعم جماعات يمينية متطرفة. رد بوالييفر على ذلك واتّهم ترودو بـ “الإلهاء” عن “سياساته المتطرفة”.

وصلت المواجهة إلى ذروتها عندما أمر فيرغوس بوالييفر بالخروج من القاعة لرفضه سحب تعليق وصف فيه ترودو بـ “المخبول”. وغادر بواليافر القاعة مع العديد من أعضاء كتلة المحافظين، مما أدى إلى مقاطعة جلسة الأسئلة.

توالت التعليقات بعد ذلك، ومن المرجح أن يكون لهذه المشادة تأثير كبير على الديناميكية السياسية في كندا، حيث قد تُعمق الانقسامات الحالية بين الحزبين الرئيسيين.

المعركة اللفظية لا تقتصر على الكلمات. اقترح بوالييفر أنه كان يفكر في تفعيل بند الاستثناء لقمع المجرمين، مما يمثل إحياء لسياسات المحافظين لستيفن هاربر. وتدل هذه المناورة على تصميم بوالييفر على تنفيذ وعده بـ”وقف الجريمة”، حتى لو كان ذلك يعني تحدي المؤسسات القضائية.

وفي خطاب ناري أمام جمعية الشرطة الكندية، أوضح أنه لن يسمح لقضاة المحكمة العليا بعرقلة مبادراته في مجال العدالة الجنائية. وهدفه واضح: ضمان بقاء سياساته على حالها، على عكس سياسات سلفه هاربر، الذي أبطلت المحكمة العليا العديد من إصلاحاته.

ويشكل التهديد بتفعيل بند الإستثناء محرماً سياسياً حقيقياً. إذا قام بوالييفر بهذه الخطوة، فسيكون ذلك بمثابة سابقة غير مسجلة في التاريخ الكندي الحديث. لكن زعيم المحافظين ليس غريبا على الجدل. إن طرده من مجلس العموم وهجومه على المؤسسات يظهر تصميمه على المضي قدماً بأجندته السياسية مهما كان الثمن.وفي سياق تلوح فيه الانتخابات في الأفق، فإن هذا التصعيد للتوترات يثير تساؤلات حول المشهد السياسي الكندي المستقبلي.

تؤكد المحللة السياسية فاني أوليفييه على أن خطط زعيم المحافظين لمكافحة الجريمة طموحة، لكنها قد تواجه معارضة قوية من مختلف قطاعات المجتمع، بما في ذلك القضاء والمدافعين عن حقوق الإنسان.