قررت الحكومة الكندية التدخل في النزاع العمالي في قطاع سكك الحديد مستعينة بتفسير جديد للقانون، وهو ما أثار جدلاً واسعاً في الأوساط القانونية والنقابية.
ففي قرار متوقع، حكمت اللجنة الكندية لعلاقات العمل لصالح وزير العمل الفدرالي، ستيفن ماكينون، وأمرت الآلاف من عمّال سكك الحديد بالعودة إلى العمل مع بدء اليوم الاثنين. كذلك، فرضت اللجنة تحكيمًا ملزمًا وتمديد عقود العمل الجماعية المنتهية حتى بدء تطبيق العقود الجديدة.
وقالت نقابة تيمسترز، التي تمثل العمال في شركتي سكك الحديد الرئيسيتين، CN وCPKC، إن “النقابة ستلتزم بقرار اللجنة”. وذكرت في بيان صحافي أن النقابة ستطعن في القرار أمام المحكمة الفدرالية. وعلق رئيس النقابة، فرانسوا لابورت، قائلاً بأن “هذا القرار يشكل سابقة خطيرة. فمن الآن فصاعدًا، يكفي للشركات الكبيرة أن تتوقف عن العمل لبضع ساعات […] لكي تتدخل الحكومة الفدرالية وتقمع النقابات”.
ورغم الشلل الذي أصاب حركة الشحن والنقل في البلاد بسبب النزاع العمالي الحالي، أعلنت حكومة ترودو عدم نيتها سنّ أي تشريع يجعل من قطاع سكك الحديد خدمة أساسية، وذلك بحسب تصريح وزير العمل الفدرالي، ستيفن ماكينون، في مؤتمر صحافي عُقد على هامش اجتماع الحكومة في هاليفاكس. وهو أشار إلى أن الحكومة تمتلك بالفعل الأدوات اللازمة لتجنب النزاعات وضمان تحقيق العمال لمكاسب في مجالات الصحة والسلامة المهنية والأجور، مضيفاً أن النظام الحالي يعمل بشكل جيد.
وكان مجلس الأعمال في كيبيك قد طالب ليس فقط بتحكيم إلزامي، بل أيضًا بإيجاد حلول طويلة الأمد، بما في ذلك توسيع نطاق مفهوم الخدمات الأساسية في التشريع، وذلك للاعتراف بأهمية دور العاملين في سلسلة التوريد.
ولكن السؤال المطروح: كيف قررت الحكومة ألا تصنّف قطاع سكك الحديد كخدمة أساسية في وقت استلزم تعليق العمل عليه تحكيم ألزامي؟
في هذا الوقت، وبسبب النزاع العمالي بين شركتي سكك الحديد الكنديتين الوحيدتين وموظفيهما البالغ عددهم 9,300 والذين يطالبون بزيادة الرواتب وتحسين شروط العمل، تشهد كندا تداعيات اقتصادية طويلة الأمد نتيجة الشلل الذي أصاب الشبكة الني تمتد على أكثر من 35 ألف كيلومتر، وتتجاوز قيمة البضائع التي يتمّ نقلها عبرها يومياً المليار دولار.
ورغم أن استئناف النشاط على سكك الجديد قد بدأ، إلا أن التعافي التام قد يستغرق عدة أسابيع، مع تأثر الشركات الصغيرة والمتوسطة بشكل كبير إذ تواجه هذه الشركات صعوبات في إيجاد بدائل للنقل البري ما يزيد من تكاليف التشغيل، ويتسبب بفرض غرامات وتباطؤ في العمل. وقد لوحظت زيادة بنسبة 15 إلى 20% في الطلب على خدمات النقل البديلة، وارتفاع كبير في الأسعار، ما ينعكس سلباً على تكلفة النقل والمستهلكين.
وتشير التقديرات إلى أن النزاع العمالي بين شركتي سكك الحديد والموظفين يكلف المزارعين بين 40 و50 مليون دولار يومياً. والأثر السلبي للاضطرابات يتجاوز القطاعات المعنية ليشمل تأثيرات على النقل المحلي وزيادة الازدحام المروري.
كما أن هذه الأزمة قد تؤثر على سمعة كندا كشريك تجاري موثوق به، ما قد ينعكس سلبًا على الاستثمارات المستقبلية في البلاد. وفي الواقع، بدأت شركات أميركية تقلّص تعاملاتها مع السوق الكندية، مشككة في موثوقية كندا كشريك تجاري.
من جهته، أكد الخبير في اللوجستيات والنقل، يان سيمون، أن هذه الأزمة تكشف عن الحاجة لإصلاحات جذرية في قطاع النقل عبر سكك الحديد، الذي تحتكره حالياً شركتان، مشيرًا إلى أن الوضع الحالي قد يدفع إلى التفكير في إدخال منافسين جدد لتعزيز المنافسة في هذا القطاع الحيوي.
وفي آخر التطورات المتعلقة بالوضع على سكك الحديد، أعلنت شركة النقل إيكسو عن عودة قطاراتها إلى عملها بشكل طبيعي اعتبارًا من اليوم الاثنين. وهذا يعني أن جميع خطوط قطارات إيكسو التي كانت متأثرة بانقطاع خدمة سكك حديد CPKC ستعود إلى جدولها الزمني المعتاد.
وتشمل الخطوط التي ستعود إلى الخدمة: خط فودروي/هادسون، خط سان جيروم، وخط كاندياك. أما الخطان اللذان يستخدمان شبكة CN، وهما خط مون سانت هيلير وخط ماسكوش، فلم يتأثرا بهذا الانقطاع واستمرا في العمل بشكل طبيعي.
كذلك، أعلنت هيئة النقل في فانكوفر عن عودة قطار الضواحي ويست كوست إكسبرس إلى الخدمة بدءًا من اليوم الاثنين. هذا القطار الذي يربط بين مدينة ميشين ووسط مدينة فانكوفر كان قد توقف عن العمل بسبب إضراب عمال السكك الحديدية.
ومع ذلك، حذرت الهيئة من احتمال حدوث تأخيرات في مواعيد القطارات بسبب الاضطرابات التي شهدتها حركة الشحن خلال فترة الإضراب.
يذكر أن هذا القطار يعتبر شريان حياة للعديد من المسافرين، حيث يستخدمه أكثر من ثلاثة الاف شخص يوميًا للتنقل بين منزلهم وأماكن عملهم.
في الختام، لم يشهد الصراع العمالي في قطاع سكك الحديد نهاية بعد. سيواصل العمال التعبير عن مطالبهم ويهددون بخطوات تصعيدية إضافية. ورغم تدخل أوتاوا لإعادة تشغيل سكك الحديد الكبرى، تظل المعركة القضائية والميدانية مستمرة.
وإلى ملف النزاع العمالي في قطاع سكك الحديد، نتابع كل ما يمكن أن يستجد على صعيد الإضراب الذي لوّح به طيّارو الخطوط الجوية الكندية. وللتذكير، يوم الخميس الماضي، صوت طيارو الخطوط الجوية الكندية بأغلبية ساحقة للموافقة على تفويض الإضراب، مما وضعهم في موقف يسمح لهم بالانسحاب من العمل في 17 سبتمبر/أيلول.
وفي حال حصل هذا الإضراب فمن المرجح أن يؤدي إلى إلغاء وتأخيرات كبيرة في الرحلات الجوية. وقد يواجه المسافرون اضطرابات في جداول سفرهم المخطط لها، بما في ذلك الرحلات الداخلية والدولية.
كما أنه قد يكون للإضراب تداعيات اقتصادية، ليس فقط على شركة Air Canada ولكن أيضًا على الصناعات المرتبطة مثل الفنادق وتأجير السيارات والخدمات السياحية.